فصل: فصل: إذا قلنا‏:‏ الاعتبار بحالة الوجوب فوقته في الظهار زمن العود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

‏ قال‏:‏ وإذا كان المظاهر عبدا‏,‏ لم يكفر إلا بالصيام وإذا صام فلا يجزئه إلا شهران متتابعان قد ذكرنا أن ظهار العبد صحيح وكفارته بالصيام لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين‏}‏ والعبد لا يستطيع الإعتاق‏,‏ فهو كالحر المعسر وأسوأ منه حالا وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئه غير الصيام‏,‏ سواء أذن له سيده في التكفير بالعتق أو لم يأذن وحكي هذا عن الحسن وأبي حنيفة‏,‏ والشافعي وعن أحمد رواية أخرى إن أذن له سيده في التكفير بالمال جاز وهو مذهب الأوزاعي‏,‏ وأبي ثور لأنه بإذن سيده يصير قادرا على التكفير بالمال فجاز له ذلك كالحر وعلى هذه الرواية‏,‏ يجوز له التكفير بالإطعام عند العجز عن الصيام وهل له العتق‏؟‏ على روايتين إحداهما لا يجوز وحكي هذا عن مالك وقال‏:‏ أرجو أن يجزئه الإطعام وأنكر ذلك ابن القاسم صاحبه‏,‏ وقال‏:‏ لا يجزئه إلا الصيام وذلك لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإرث‏,‏ وليس ذلك للعبد والرواية الثانية له العتق وهو قول الأوزاعي واختارها أبو بكر لأن من صح تكفيره بالإطعام صح بالعتق‏,‏ ولا يمتنع صحة العتق مع انتفاء الإرث كما لو أعتق من يخالفه في دينه ولأن المقصود بالعتق إسقاط الملكية عن العبد وتمليكه نفع نفسه‏,‏ وخلوصه من ضرر الرق وما يحصل من توابع ذلك ليس هو المقصود فلا يمنع من صحته ما يحصل منه المقصود‏,‏ لامتناع بعض توابعه ووجه الأولى أن العبد مال لا يملك المال‏,‏ فيقع تكفيره بالمال بمال غيره فلم يجزئه كما لو أعتق عبد غيره عن كفارته وعلى كلتا الروايتين‏,‏ لا يلزمه التكفير بالمال وإن أذن له سيده فيه لأن فرضه الصيام فلم يلزمه غيره‏,‏ كما لو أذن موسر لحر معسر في التكفير من ماله وإن كان عاجزا عن الصيام فأذن له سيده في التكفير بما شاء من العتق والإطعام فإن له التكفير بالإطعام لأن من لا يلزمه الإعتاق مع قدرته على الصيام‏,‏ لا يلزمه مع عجزه عنه كالحر المعسر ولأن عليه ضررا في التزام المنة الكبيرة في قبول الرقبة‏,‏ ولا يلزم مثل ذلك في الطعام لقلة المنة فيه وهذا فيما إذا أذن له سيده في التكفير قبل العود فإن عاد وجبت الكفارة في ذمته ثم أذن له سيده في التكفير‏,‏ انبنى مع ذلك على أصل آخر وهو أن التكفير هل هو معتبر بحالة الوجوب أو بأغلظ الأحوال‏؟‏ وسنذكر ذلك - إن شاء الله تعالى - وعلى كل حال‏,‏ فإذا صام لا يجزئه إلا شهران متتابعان لدخوله في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فصيام شهرين متتابعين‏}‏ ولأنه صوم في كفارة فاستوى فيه الحر والعبد ككفارة اليمين وبهذا قال الحسن‏,‏ والشعبي والنخعي والزهري‏,‏ والشافعي وإسحاق ولا نعلم لهم مخالفا إلا ما روي عن عطاء‏,‏ أنه‏:‏ لو صام شهرا أجزأه وقاله النخعي ثم رجع عنه إلى قول الجماعة‏.‏

فصل‏:‏

والاعتبار في الكفارة بحالة الوجوب‏,‏ في أظهر الروايتين وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه قال‏:‏ إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق‏,‏ فعليه الصوم لا يجزئه غيره وكذلك قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن عبد حلف على يمين فحنث فيها وهو عبد فلم يكفر حتى عتق‏,‏ أيكفر كفارة حر أو كفارة عبد‏؟‏ قال‏:‏ يكفر كفارة عبد لأنه إنما يكفر ما وجب عليه يوم حنث لا يوم حلف قلت له‏:‏ حلف وهو عبد وحنث وهو حر‏؟‏ قال‏:‏ يوم حنث واحتج فقال‏:‏ افترى وهو عبد أي ثم أعتق فإنما يجلد جلد العبد وهو أحد أقوال الشافعي فعلى هذه الرواية يعتبر يساره وإعساره حال وجوبها عليه‏,‏ فإن كان موسرا حال الوجوب استقر وجوب الرقبة عليه فلم يسقط بإعساره بعد ذلك وإن كان معسرا‏,‏ ففرضه الصوم فإذا أيسر بعد ذلك لم يلزمه الانتقال إلى الرقبة والرواية الثانية‏,‏ الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير فمتى وجد رقبة فيما بين الوجوب إلى حين التكفير لم يجزئه إلا الإعتاق وهذا قول ثان للشافعي لأنه حق يجب في الذمة بوجود مال‏,‏ فاعتبر فيه أغلظ الحالين كالحج وله قول ثالث أن الاعتبار بحالة الأداء وهو قول أبي حنيفة ومالك لأنه حق له بدل من غير جنسه‏,‏ فكان الاعتبار فيه بحالة الأداء كالوضوء ولنا أن الكفارة تجب على وجه الطهارة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب كالحد‏,‏ أو نقول‏:‏ من وجب عليه الصيام في الكفارة لم يلزمه غيره كالعبد إذا أعتق‏,‏ ويفارق الوضوء فإنه لو تيمم ثم وجد الماء بطل تيممه‏,‏ وهاهنا لو صام ثم قدر على الرقبة لم يبطل صومه‏,‏ وليس الاعتبار في الوضوء بحالة الأداء فإن أداءه فعله وليس الاعتبار به‏,‏ وإنما الاعتبار بأداء الصلاة وهي غير الوضوء وأما الحج فهو عبادة العمر وجميعه وقت لها‏,‏ فمتى قدر عليه في جزء من وقته وجب بخلاف مسألتنا ثم يبطل ما ذكروه بالعبد إذا أعتق فإنه لا يلزمه الانتقال إلى العتق مع ما ذكروه فإن قيل‏:‏ العبد لم يكن ممن تجب عليه الرقبة‏,‏ ولا تجزئه فلما لم تجزئه الزيادة لم تلزمه بتغير الحال‏,‏ بخلاف مسألتنا قلنا‏:‏ هذا لا أثر له إذا ثبت هذا فإنه إذا أيسر فأحب أن ينتقل إلى الإعتاق‏,‏ جاز له في ظاهر كلام الخرقي فإنه قال‏:‏ ومن دخل في الصوم ثم قدر على الهدي‏,‏ لم يكن عليه الخروج إلا أن يشاء وهذا يدل على أنه إذا شاء فله الانتقال إليه ويجزئه إلا أن يكون الحانث عبدا‏,‏ فليس له إلا الصوم وإن عتق وهو قول الشافعي على القول الذي توافقنا فيه وذلك لأن العتق هو الأصل فوجب أن يجزئه كسائر الأصول فأما إن استمر به العجز حتى شرع في الصيام‏,‏ لم يلزمه الانتقال إلى العتق بغير خلاف في المذهب وهو مذهب الشعبي وقتادة ومالك‏,‏ والأوزاعي والليث والشافعي‏,‏ وأبي ثور وابن المنذر وهو أحد قولي الحسن وذهب ابن سيرين وعطاء‏,‏ والنخعي والحكم وحماد‏,‏ والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي‏,‏ إلى أنه يلزمه العتق لأنه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل فلزمه العود إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة‏,‏ أو في أثنائها ولنا أنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام فلم يسقط عنه كما لو استمر العجز إلى بعد الفراغ‏,‏ ولا يشبه الوضوء فإنه لو وجد الماء بعد التيمم بطل وهاهنا بخلافه‏,‏ ولأنه وجد المبدل بعد الشروع في صوم البدل فلم يلزمه الانتقال إليه كالمتمتع يجد الهدي بعد الشروع في صيام السبعة‏.‏

فصل‏:‏

إذا قلنا‏:‏ الاعتبار بحالة الوجوب فوقته في الظهار زمن العود‏,‏ لا وقت المظاهرة لأن الكفارة لا تجب حتى يعود وقته في اليمين زمن الحنث لا وقت اليمين‏,‏ وفي القتل زمن الزهوق لا زمن الجرح وتقديم الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها‏,‏ لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل الحول وبعد وجوب النصاب‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان المظاهر ذميا فتكفيره بالعتق‏,‏ أو الإطعام لأنه يصح منه في غير الكفارة فصح منه فيها ولا يجوز بالصيام لأنه عبادة محضة‏,‏ والكافر ليس من أهلها ولأنه لا يصح منه في غير الكفارة فلا يصح منه فيها‏,‏ ولا يجزئه في العتق إلا عتق رقبة مؤمنة فإن كانت في ملكه أو ورثها‏,‏ أجزأت عنه وإن لم يكن كذلك فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة لأن الكافر لا يصح منه شراء المسلم‏,‏ ويتعين تكفيره بالإطعام إلا أن يقول لمسلم‏:‏ أعتق عبدك عن كفارتي وعلى ثمنه فيصح‏,‏ في إحدى الروايتين وإن أسلم الذمي قبل التكفير بالإطعام فحكمه حكم العبد يعتق قبل التكفير بالصيام‏,‏ على ما مضى لأنه في معناه وإن ظاهر وهو مسلم ثم ارتد فصام في ردته عن كفارته‏,‏ لم يصح وإن كفر بعتق أو إطعام فقد أطلق أحمد القول أنه لا يجزئه وقال القاضي‏:‏ المذهب أن ذلك موقوف فإن أسلم تبينا أنه أجزأه وإن مات أو قتل تبينا أنه لم يصح منه‏,‏ كسائر تصرفاته‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومن وطئ قبل أن يأتي بالكفارة كان عاصيا وعليه الكفارة المذكورة قد ذكرنا أن المظاهر يحرم عليه وطء زوجته قبل التكفير لقول الله تعالى في العتق والصيام‏:‏ ‏{‏من قبل أن يتماسا‏}‏ فإن وطئ عصى ربه لمخالفة أمره‏,‏ وتستقر الكفارة في ذمته فلا تسقط بعد ذلك بموت ولا طلاق‏,‏ ولا غيره وتحريم زوجته عليه باق بحاله حتى يكفر هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن سعيد بن المسيب‏,‏ وعطاء وطاوس وجابر بن زيد‏,‏ ومورق العجلي وأبي مجلز والنخعي‏,‏ وعبد الله بن أذينة ومالك والثوري‏,‏ والأوزاعي والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبي ثور وروى الخلال عن الصلت بن دينار قال‏:‏ سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر‏؟‏ قالوا‏:‏ ليس عليه إلا كفارة واحدة الحسن وابن سيرين‏,‏ وبكر المزني ومورق العجلي وعطاء‏,‏ وطاوس ومجاهد وعكرمة‏,‏ وقتادة وقال وكيع‏:‏ وأظن العاشر نافعا وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين وروي ذلك عن قبيصة‏,‏ وسعيد بن جبير والزهري وقتادة لأن الوطء يوجب كفارة‏,‏ والظهار موجب للأخرى وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تثبت الكفارة في ذمته وإنما هي شرط للإباحة بعد الوطء كما كانت قبله وحكي عن بعض الناس أن الكفارة تسقط لأنه فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس ولنا حديث ‏(‏سلمة بن صخر حين ظاهر ثم وطئ قبل التكفير فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بكفارة واحدة‏)‏ ولأنه وجد الظهار والعود‏,‏ فيدخل في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة‏}‏ فأما قولهم‏:‏ فات وقتها فيبطل بما ذكرناه وبالصلاة وسائر العبادات يجب قضاؤها بعد فوات وقتها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا قالت المرأة لزوجها‏:‏ أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة‏,‏ ولزمتها كفارة الظهار لأنها قد أتت بالمنكر من القول والزور وجملة ذلك أن المرأة إذا قالت لزوجها‏:‏ أنت علي كظهر أبي أو قالت‏:‏ إن تزوجت فلانا فهو علي كظهر أبي فليس ذلك بظهار قال القاضي‏:‏ لا تكون مظاهرة رواية واحدة وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وقال الزهري والأوزاعي‏:‏ هو ظهار وروي ذلك عن الحسن والنخعي‏,‏ إلا أن النخعي قال‏:‏ إذا قالت ذلك بعدما تزوج فليس بشيء ولعلهم يحتجون بأنها أحد الزوجين ظاهر من الآخر فكان مظاهرا كالرجل ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يظاهرون من نسائهم‏}‏ فخصهم بذلك‏,‏ ولأنه قول يوجب تحريما في الزوجة يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل‏,‏ كالطلاق ولأن الحل في المرأة حق للرجل فلم تملك المرأة إزالته‏,‏ كسائر حقوقه إذا ثبت هذا فاختلف عن أحمد في الكفارة فنقل عنه جماعة‏:‏ عليها كفارة الظهار لما روى الأثرم‏,‏ بإسناده عن إبراهيم أن عائشة بنت طلحة قالت‏:‏ إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي فسألت أهل المدينة‏,‏ فرأوا أن عليها الكفارة وروى على بن مسهر عن الشيباني قال‏:‏ كنت جالسا في المسجد‏,‏ أنا وعبد الله بن مغفل المزني فجاء رجل حتى جلس إلينا فسألته من أنت‏؟‏ فقال‏:‏ أنا مولى لعائشة بنت طلحة‏,‏ التي أعتقتني عن ظهارها خطبها مصعب بن الزبير فقالت‏:‏ هو علي كظهر أبي إن تزوجته ثم رغبت فيه بعد‏,‏ فاستفتت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه فأعتقتني وتزوجته وروى سعيد هذين الخبرين مختصرين‏,‏ ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول والزور فلزمه كفارة الظهار كالآخر ولأن الواجب كفارة يمين‏,‏ فاستوى فيها الزوجان كاليمين بالله تعالى والرواية الثانية‏:‏ ليس عليها كفارة وهو قول مالك والشافعي‏,‏ وإسحاق وأبي ثور لأنه قول منكر وزور وليس بظهار‏,‏ فلم يوجب كفارة كالسب والقذف ولأنه قول ليس بظهار فلم يوجب كفارة الظهار‏,‏ كسائر الأقوال أو تحريم مما لا يصح منه الظهار فأشبه الظهار من أمته والرواية الثالثة‏:‏ عليها كفارة اليمين قال أحمد‏:‏ قد ذهب عطاء مذهبا حسنا‏,‏ جعله بمنزلة من حرم على نفسه شيئا مثل الطعام وما أشبه وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه بأصوله لأنه ليس بظهار ومجرد القول من المنكر والزور لا يوجب كفارة الظهار‏,‏ بدليل سائر الكذب والظهار قبل العود والظهار من أمته وأم ولده‏,‏ ولأنه تحريم لا يثبت التحريم في المحل فلم يوجب كفارة الظهار كتحريم سائر الحلال ولأنه ظهار من غير امرأته‏,‏ فأشبه الظهار من أمته وما روي عن عائشة بنت طلحة في عتق الرقبة‏,‏ فيجوز أن يكون إعتاقها تكفيرا ليمينها فإن عتق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين ويتعين حمله على هذا لكون الموجود منها ليس بظهار‏,‏ وكلام أحمد في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار‏,‏ إنما قال‏:‏ الأحوط أن تكفر وكذا حكاه ابن المنذر ولا شك في أن الأحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف ولكن ليس ذلك بواجب عليه لأنه ليس بمنصوص عليه‏,‏ ولا هو في معني المنصوص وإنما هو تحريم للحلال من غير ظهار فأشبه ما لو حرم أمته‏,‏ أو طعامه وهذا قول عطاء والله أعلم‏.‏